الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والإمام أُسْوة وقدوة للمأمومين في الخير ومنهج الحق، كما قال تعالى في حَقِّ نبيه إبراهيم عليه السلام: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124].وعندها أراد إبراهيم عليه السلام أنْ تظلَّ الإمامة في ذريته من بعده، فقال: {قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] فصحَّح الله له وأعلمه أن الإمامة لا تكون إلا في أهل الخير {قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} [البقرة: 124].لذلك لما دعا نوح- عليه السلام- ربه: {رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] صحح الله له {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46].إذن: أهلية النبوة وأهلية الإمامة عمل وسلوك لا قرابة ولا نَسَب.وقد تكون الإمامة في الشر، كهذه التي نتحدث عنها: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار} [القصص: 41] فهم أُسْوة سيئة وقدوة للشر، وقد جاء في الحديث الشريف: «من سَنَّ سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومَنْ سنَّ سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة».ويقول تعالى في أصحاب القدوة السيئة: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25].فكان فرعون وملؤه أسوة في الشر، وأسوة في الضلال والإرهاب والجبروت، وكذلك سيكونون في الآخرة أئمة وقادة، لكن إلى النار {وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ} [القصص: 41].قوله تعالى: {وَأَتْبَعْنَاهُم} [القصص: 42] يعني: جعلنا من خلفهم: {فِي هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً} [القصص: 42] فكل مَنْ ذكرهم في الدنيا يقول: لعنهم الله، فعليهم لعنة دائمة باقية ما بقيتْ الدنيا، وهذا اللعْن والطرد من رحمة الله ليس جزاء أعمالهم، إنما هو مقدمة لعذاب بَاقٍ وخالد في الآخرة، كما قال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47].{وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين} [القصص: 42] مادة: قبح، تقول للشرير: قبَّحك الله، أي: طردك وأبعدك عن الخير. ولها استعمال آخر: تقول: قَبَحْتُ الدُّمل أي: فتحته ونكأته قبل نُضْجه فيخرج منه الدم مع الصديد ويشوه مكانه.وسبق أنْ قُلْنا: إن الدُّمَّل إذا تركته للصيدلية الربانية في جسمك حتى يندمل بمناعة الجسم ومقاومته تجده لا يترك أثرًا، أما إنْ تدخلت فيه بالأدوية والجراحة، فلابد أنْ يترك أثرًا، ويُشوِّه المكان.ويكون المعنى إذن: {هُمْ مِّنَ المقبوحين} [القصص: 42] أي: الذين تشوَّهَتْ وجوههم بعد نعومة الجلد ونضارته، وقد عبَّر القرآن عن هذا التشويه بصور مختلفة.يقول تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 40- 41].ويقول سبحانه: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106].ويقول: {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقًا} [طه: 102].ومعلوم أن زُرْقة الجسم لا تأتي إلا نتيجة ضربات شديدة وكدَمات تُحدِث تفاعلات ضارة تحت الجلد، فتُسبِّب زُرْقته، وكذلك زُرْقة العين، ومن أمراض العيون المياه الزرقاء، وهي أخطر من البيضاء.لذلك يقول الشاعر:
لأنه حريص على أمواله ولا يريد إنفاقها.ويُستخدم اللون الأزرق للتبشيع والتخويف، وقد كانوا في العصور الوسطى يَطْلُون وجوه الجنود باللون الأزرق لإخافة الأعداء وإرهابهم، وتعارف الناس أنه لَوْن الشيطان؛ لذلك نقول في لغتنا العامية العفاريت الزرق ونقول في الذم: فلان نابه أزرق.ويقول الشاعر: أما السواد فيقُصد به الوجه المشوّه المنفِّر، وإلا فالسواد لا يُذَم في ذاته كلون، وكثيرا ما نرى صاحب البشرة السوداء يُشع جاذبية وبشاشة، بحيث لا تزهد في النظر إليه، ومعلوم أن الحُسْن لا لونَ له.والله تعالى يَهبُ الحُسْن والبشاشة ويُشِعّهما في جميع الصور. وقد ترى للون الأسود في بعض الوجوه أَسْرًا وإشراقًا، وترى صاحب اللون الأبيض كالحًا، لا حيوية فيه. اهـ.
وهذا على ترك الهمز وأن يكون وزنه فعلا، وقرأ الجمهور {يصدقْني} بالجزم وذلك على جواب {فأرسله} وقرأ عاصم وحمزة {يصدقني} أي مصدقًا فهو صفة للردء أو حال، وشد العضد استعارة في المعونة والإنهاض، وقرأ الحسن بضم العين {عضُد} وقرأ عيسى بن عمر بفتح العين والضاد، والسلطان، الحجة، وقوله: {بآياتنا} يحتمل أن تتعلق الباء بقوله: {ونجعل لكما} أو ب {يصلون} وتكون باء السبب، ويحتمل أن تتعلق بقوله: {الغالبون} أي تغلبون بآياتنا، والآيات هي معجزاته عليه السلام، ولما كذبوه ورموه بالسحر قارب موسى عليه السلام في احتجاجه وراعه تكذيبهم فرد الأمر إلى الله عز وجل وعول على ما سيظهره في شأنهم وتوعدهم بنقمة الله تعالى منهم، وقرأ ابن كثير {قال موسى} بغير واو، وقرأ غيره وجميع السبعة {وقال} بواو، وقرأ الجمهور {تكون} بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي {يكون} بالياء على التذكير إذ هي بمنزلة العاقب فهي كالصوت والصيحة والوعظ والموعظة، واستمر فرعون في طريق مخرقته على قومه وأمره {هامان} بأن يطبخ له الآجر وأن يبني له {صرحًا} أي سطحًا في أعلى الهواء، وليس الصرح إلا ما له سطح، ويحتمل أن يكون الإيقاد على الطين كالبرامي، وترجى بذلك بزعمه أن يطلع في السماء، فروي عن السدي أنه بناه أعلى ما يمكن ثم صعد فيه ورمى بالنبل فردها الله تعالى إليه مخضوبة بالدم ليزيدهم عمى وفتنة، فقال فرعون حينئذ: إني قتلت إله موسى، ثم قال: {وإني لأظنه من الكاذبين} يريد في أن موسى أرسله مرسل، فالظن على بابه وهو معنى إيجاب الكفر بمنزلة التصميم على التكذيب، وقرأ حمزة والكسائي ونافع {لا يَرجِعون} وقرأ الباقون والحسن وخالد {لا يرجعون} بضم الياء وفتح الجيم.{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)}.{نبذناهم} معناه طرحناهم، ومنه نبذ النواة ومنه قول الشاعر: وقوم فرعون وإن كانوا ساروا إلى البحر ودخلوه باختيارهم فإن ما ضمهم من القدر السابق السائق هو نبذ الله تعالى إياهم فيه، و{اليم} بحر القلزم في قول أكثر الناس، وقالت فرقة: كان غرقهم في نيل مصر والأول أشهر، وقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون} عبارة عن حالهم وأفعالهم وخاتمتهم، أي هم بذلك كالداعين إلى النار وهم فيه أئمة من حيث اشتهروا وبقي حديثهم، فهم قدوة لكل كافر وعات إلى يوم القيامة، و{المقبوحين} الذي يقبح كل أمرهم قولًا له وفعلًا بهم، قال ابن عباس: هم الذي قبحوا بسواد الوجوه وزرق العيون، {ويوم} ظرف مقدم. اهـ.
|